Gamal Abdel Nasser ..The Story and Myth by Samy Sharaf

هكذا أفشلت مصر استراتيجية “السماوات المفتوحة” “الإسرائيلية

سنوات مع عبد الناصر - سامي شرف

ـ 28 ـ

الجزء الأول - البداية الأولى

الحلقة 28


إن حرب الاستنزاف معترف بها وتنفذ عندما لا تتوافر القدرة على الحكة العسكرية الشاملة أو في ظل ظروف قد تسبب تأخير العمل العسكري المباشر الذي يتحتم على الدولة القيام به، وبذلك تصبح استراتيجية الصراع طويل الأمد مرحلة ضرورية تمثل أنسب الاستراتيجيات الملائمة، وإن كانت لا تحقق نصراً حاسماً لكنها في نفس الوقت تمثل تمهيدا ضروريا لمرحلة الحسم القادمة، ولكشف أبعاد وقدرات الطرف الآخر مع إزعاجه. ويمكن أن نعتبرها عملا عسكريا سياسيا لتحقيق غاية بهدف إجبار العدو على تبديد طاقاته واستهلاك موارده المادية والبشرية، وفرض الضغوط المعنوية على مجتمعه ومؤسسته العسكرية وقد عرّف الجنرال الفرنسي أندريه بوفر هذه الاستراتيجية باسم “نظرية التعرية أو التآكل” من أجل الحفاظ على استمرار الصراع حيا متصاعدا ويزداد ثقله على العدو يوما بعد يوم.

رب سائل يقول: هل كنا نواجه “إسرائيل” وحدها ؟

والإجابة بالنفي قاطعة.. لقد كنا نعلم أننا نواجه “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية، وهي حقيقة لم تكن أبدا غائبة عن ذهن القيادة السياسية، وهي حقيقة لم تغب أيضا في حرب 1956 وحرب 1967 تلك العلاقة والترابط الاستراتيجي بينهما والذي كان يزداد نموا وعمقا يوما بعد يوم، وهي العلاقة التي وضعها الرؤساء الأمريكيون باستمرار بأنها علاقة بالغة القوة والحيوية لدرجة لن تسمح لأحد أن يدق إسفينا بينهما كما قالها الرئيس الأمريكي بيل كلينتون سنة 1996 ومن قبله قالها أيزنهاور وجونسون وبوش الأب ومن بعده بوش الابن.

إن الدولة التي تملك ثروة القوة البشرية كمصر تمتلك أهم عناصر القوة الشاملة، وإذا لم تنجح في الاستفادة من هذا التفوق حربا وسلما سوف تفشل في تحقيق غاياتها القومية. فالجيش هو جيش مصر ورجاله هم رجال مصر الذين حاربوا في 1948 وفي 1956 وفي 1967 وفي 1969/1970 وهم الذين انتصروا في ،1973 ومحاولة وضع خطوط فاصلة تقسم هذا التاريخ فهذا وضع لا يقبله منطق التاريخ العسكري وعلى وجه التحديد بعد ثورة يوليو/ تموز 1952.

لقد تحملت مصر خسائر مادية فضلا عن أرواح شهداء من العسكريين والمدنيين جنبا إلى جنب، إلا أن الحقيقة المؤكدة هي أن الجانب الذي وقع في المستنقع هو الجانب “الإسرائيلي” الذي بادرت بل سارعت الولايات المتحدة الأمريكية ببذل الجهود لانتشاله من هذا المستنقع بمبادرة روجرز في 19يونيو،1970 والذي قال عنها موشي ديان “إن الحكومة “الإسرائيلية” مستعدة لقبول وقف إطلاق النار دون شروط”.

كما أنه يمكن القول بارتياح انه على مدى أكثر من خمسة عشر شهرا نجحت الاستراتيجية المصرية في إجبار “إسرائيل” على استراتيجيتها المضادة تغييرا حاسما أكثر من أربع مرات دون أن تحقق نجاحاً في أي مرحلة. ودون ما إطالة سوف أتعرض لهذه المراحل الأربعة باختصار:

1- مع بداية حرب الاستنزاف اكتفت “إسرائيل” بالرد بصورة غير مباشرة ضد أهداف مدنية بعيدة عن التجمعات العسكرية.

2- مع تزايد الضغوط المصرية ارتفع حجم الخسائر البشرية “الإسرائيلية”، وبدأ استخدام القوات الجوية في قصف المواقع المصرية غرب قناة السويس والانتقال من الردع المحدود بالإغارات البرية بواسطة الهيلوكوبتر في عمق مصر إلى أسلوب الردع الجسيم في يوليو1969

3- ومع استخدام مصر قواتها الجوية في شن غارات خاطفة اتخذت “إسرائيل” إجراءين أساسيين، الأول بتغيير القيادة الميدانية لسيناء فعزلت الجنرال جافيتش وعينت شارون في ديسمبر 1969 والثاني تحديد مهمته الرئيسية بكسر شوكة حرب الاستنزاف المصرية في جبهة قناة السويس، والعمل على تخفيض حجم الخسائر البشرية وتدمير وسائل الدفاع الجوي المصري في الجبهة.

4- توسيع نطاق القوات الجوية “الإسرائيلية” خاصة بعد وصول صفقة الفانتوم الأمريكية الحديثة، فقررت “إسرائيل” أن تمتد غاراتها إلى وادي النيل والعمق المصري بقصف أهداف مدنية حيوية من أجل تحقيق هدف استراتيجي سياسي وهو شل القدرة العسكرية المصرية، وتحقيق انهيار الجبهة الداخلية المصرية، وقد حظي هذا القرار بتأييد واشنطن وأطلقت “إسرائيل” على هذه الاستراتيجية اسم “السماوات المفتوحة” وبدأت في تنفيذها في 7 يناير،1970 ورغم ذلك لم يخضع الشعب المصري ولا قواته المسلحة وفشلت “إسرائيل” في تحقيق هدفها، واضعا في الاعتبار كمّ خسائر مصر في أبو زعبل وبحر البقر ومواقع الصواريخ المصرية. وقبلت مصر التحدي وبدأت مهمة كبرى ببناء شبكة قوية لصواريخ الدفاع الجوي وترتب على ذلك أيضا أن تكامل بناء منظومة الدفاع الجوي وشبكة الصواريخ التي لم تكن قد اكتملت قبل يناير/ كانون الثاني 1970 وكان تجاوب الاتحاد السوفييتي مع القيادة المصرية في هذا الصدد سببا في نجاح مرحلة شاقة من مراحل النضال ضد التفوق الجوي “الإسرائيلي”، وهو النضال الذي استمر حتى قضى على هذا التفوق في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973. والدليل على ذلك هو أن الاستراتيجية “الإسرائيلية” لم تستمر لأكثر من مائة يوم فقط حيث توقفت يوم 18 إبريل/ نيسان 1970 بانتصار الإرادة المصرية في مواجهة رغبة “إسرائيل” لإرغام مصر على وقف الحرب ومنعها من استكمال شبكة الصواريخ، وبدأ التراجع “الإسرائيلي” بتغيير سياسة “السماوات المفتوحة” حيث أعلن موشي ديان قائلا: “إن المناطق الداخلية في عمق مصر لا تشكل مناطق حيوية لأمن “إسرائيل””.

وسارعت جولدا مائير بإعلانها تهديدات لإسقاط النظام في مصر قائلة: “إن “إسرائيل” لم تستهدف إسقاط النظام الحاكم في مصر ولكن فقط تخفيف الضغط المصري على القوات “الإسرائيلية” في منطقة القناة”.

والحقيقة المهمة التي أريد أن أؤكدها هنا هي أن حرب الاستنزاف قد استمرت دون توقف حتى بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار في أغسطس/ آب ،1970 وهي بالقطع لم تتوقف في يوليو1969 كما يحلو للبعض من الذين لا يعلمون أن يدّعوا به، بل لقد شهدت تلك الفترة الأخيرة أكثر العمليات عنفا وشراسة ومن أبرز العمليات التي تمت خلال هذه المرحلة هي عملية العبور التي قضت فيها القوة المصرية على وحدتين “إسرائيليتين” ودمرت مدرعاتها وقتلت أفرادها ثم أسرت من بقي منهما حيا وعادت بهم إلى الضفة الغربية.

ثم جاء بعد ذلك نجاح شبكة صواريخ الدفاع الجوي لقواتنا المسلحة في إسقاط طائرات الفانتوم “الإسرائيلية” بمعدلات عالية اعتبارا من شهر يونيو/ حزيران 1970 ووصلت الذروة في الأسبوع الأول من يوليو 1970 حيث تم إسقاط 7 طائرات فانتوم وبذلك بلغ عدد الطائرات التي أسقطت خلال شهري يونيو ويوليو 1970 ست عشرة طائرة مما ترتب عليه انهيار أمل “إسرائيل” وانهارت ثقتها في قدرتها على ردع مصر ومنعها من إقامة شبكة قواعد الصواريخ على ضفاف غرب قناة السويس وهذه ملحمة أخرى ساهم فيها جنود وعمال مصر مزجت فيها دماء شهداء بالنصر الذي تحقق باستكمال هذه الشبكة محققين إرادة الصمود المصري.

ولقد حققت حرب الاستنزاف ما كان مخططاً لها ان تحققه كالآتي:

* فشل سياسة فرض الأمر الواقع على القاهرة .

* قيام عمليات عسكرية مصرية على طول الجبهة أدى إلى خسائر يومية في صفوف العدو.

* تزايد الوجود السوفييتي مما أضعف الموقف الاستراتيجى الأمريكي في المنطقة.

* عدم موافقة أغلب الدول الغربية على السياسة الأمريكية في موقفها من الصراع العربي “الإسرائيلي”، وكانت فرنسا على رأس الدول الغربية المناهضة لسياسة واشنطن.

وعليه فقد ترتب على هذا الوضع أن حاول ويليام روجرز وزير الخارجية الأمريكي أن يعيد النظر في سياسة بلاده في شكل تخفيض نسبي من الانحياز الكامل ل “إسرائيل” فبعث في التاسع من نوفمبر/ تشرين الثاني 1969 بمقترحات جديدة للقاهرة أساسها:

* أولا: انسحاب القوات “الإسرائيلية” من الأراضي المصرية التي تم احتلالها خلال حرب ،1967 مقابل إنهاء حالة الحرب بين “إسرائيل” ومصر.

* ثانيا: يوافق الطرفان على أن يتم تسليم الاتفاق النهائي إلى مجلس الأمن للتصديق عليه، وهذه الفقرة تعني اعتراف واشنطن بضرورة الإشراف الدولي على تنفيذ الاتفاق.

ولقد تقدمت واشنطن بمشروع مماثل لعمان في التاسع عشر من ديسمبر/ كانون الأول إلا أنه فيما يتعلق بالحدود التي تنسحب إليها “إسرائيل” وتصبح حدودا دائمة فقد اقترحت واشنطن أن خط الهدنة أي خط 4 يونيو 1967 هو الأساس في تحديد الخط النهائي للحدود، مع إجراء تعديلات يتفق عليها الطرفان لأغراض إدارية واقتصادية، وكان رد القاهرة على هذه المقترحات يتلخص في الآتي:

* أولا: لم ترفض الاقتراحات.

* ثانيا: سجلت القاهرة على واشنطن موقفها الإيجابي الذي يتمثل في عدم فصل ما يتعلق بمصر عن سائر الجبهات الأخرى.

* ثالثا: أن التسوية يجب أن تكون شاملة.

* رابعا: أن موقف مصر النهائي لا يمكن تحديده إلا عندما تطلع على الصورة المتكاملة لتنفيذ القرار 242.

وعندما أعلن روجرز مشروعه بادرت “إسرائيل” الى إعلان رفضها له في اليوم التالي مباشرة .

وانتهت المحاولة لتحقيق حل شامل إلى الفشل لعجز ريتشارد نيكسون عن الوقوف أمام قوى الضغط الصهيونية التي قامت بحملة عنيفة ضد ويليام روجرز في وسائل الإعلام وفي داخل الكونجرس الأمريكي.

وفي السابع من يناير 1970 قامت “إسرائيل” بسلسلة من الغارات الجوية في عمق الأراضي المصرية، واستخدمت في هذه الغارات الطائرات الأمريكية الحديثة التي حصلت عليها مؤخرا والتي كانت مزودة بأحدث وسائل التشويش الإلكترونى لتعطيل وسائل الدفاع الجوي المصري، وبعد هذه الغارات مباشرة نشرت وسائل الإعلام الأمريكية ما يفيد بأن سياسة “إسرائيل” في هذه المرحلة ستستند الى الحرب النفسية لتصل الحرب إلى الشعب المصري وصولا إلى تقويض القيادة المصرية وخلق انقسامات داخلها مما يؤدي إلى نتائج تخدم أهداف “إسرائيل”.

ثم أعلنت جولدا مائير في الثالث عشر من يناير 1970: “ أنها لا ترى فرصة للسلام ما دام عبدالناصر في الحكم”، وبالتالي فإن سقوط عبدالناصر والنظام الذي يمثله يجب أن يسبق أي حديث عن السلم.

كما صرح آبا إيبان أن بعض الجهات الأمريكية، وكان يعني المخابرات المركزية الأمريكية، طلبت من “إسرائيل” أن تركز جهودها على ما يؤدي إلى إسقاط عبدالناصر، أي أن الإدارة الأمريكية كانت متفقة مع “إسرائيل” على ضرب مصر والقضاء على عبدالناصر ونظامه.

أما مقترحات ويليام روجرز التي تقدم بها إلى مصر والأردن فلم تكن سوى تغطية لسياسة أمريكا الحقيقية لإيهام الرأي العام العالمي وبعض الحكام العرب - الدول النفطية أساسا - بأن أمريكا تتبع سياسة متوازنة.

وقد أدت الغارات “الإسرائيلية” والتي تمت بتأييد وربما بتخطيط مشترك مع الأمريكيين، بهدف إسقاط عبدالناصر إلى أمرين في غاية الأهمية:

الأول: مزيد من التماسك في الجبهة الداخلية المصرية والدعوة للثأر.

الثاني: موافقة الاتحاد السوفييتي على المطالب المصرية التي تقدم بها الرئيس عبدالناصر للقادة السوفييت في زيارته السرية لموسكو يوم 22 يناير،1970 تلك الزيارة التي كانت نقطة تحول تاريخية في العلاقات الدولية، وبصفة خاصة في العلاقات المصرية السوفييتية، وكان يصحب الرئيس في هذه الزيارة الفريق أول محمد فوزي وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة وتولى كتابة محضر الجلسات الدكتور مراد غالب سفير مصر في موسكو في ذلك الوقت، والمباحثات التي تمت في هذه الزيارة تعتبر من ضمن أهم المباحثات التي جرت في القرن العشرين على المستوى الدولي.

والمقتطفات التالية أكتبها من واقع ما نقلته في “النوتة” الخاصة بي بعد قراءتي لنصوص المحاضر:

“تحدث الرئيس عبدالناصر في هذه المباحثات عن الحل السلمي الذي لم يأت بنتيجة، وحتى إذا كانت هناك احتمالات نتائج موجودة فإنه لابد من القيام بعمليات عسكرية تمثل الضغط الحقيقي على “إسرائيل” وأمريكا، وإلا فما الذي يدفعها للانسحاب أو يدفع واشنطن للضغط على “إسرائيل”. وقال إن الموقف المشتعل الآن على جبهة القتال ينبئ بانفجار كبير في أي لحظة لأن الجمود واليأس من الوصول إلى حل سلمي غير منظور، والوضع الآن يتمحور في إمدادات أمريكية ل “إسرائيل” تشمل طائرات متقدمة ومتطورة وتمكنت “إسرائيل” من اختراق العمق المصري وتدمير أهداف استراتيجية واقتصادية وإلحاق الخسائر الفادحة بالمدنيين وذلك باستخدام الطيران المنخفض الذي نجح في تفادي الصواريخ المضادة للطائرات، وعليه فإن المعارك الدائرة الآن على جبهة القتال في القناة ومضاعفاتها لن تقرر مصير مصر فقط وإنما سوف تقرر مستقبل المنطقة كلها وربما تمتد إلى التوازن العالمي”.

وقد وافق القادة السوفييت على إمداد القوات المسلحة المصرية بصواريخ (سام 3) التي تستطيع أن تواجه الطيران المنخفض إلا أن تدريب الأطقم المصرية كان سيستغرق حوالي ستة أشهر كما سيتم التدريب في الاتحاد السوفييتي، وهذا يعني حسبما شرح عبدالناصر أن مصر ستصبح مكشوفة تماما أمام الطيران “الإسرائيلي” لمدة ستة أشهر.

ودارت المناقشات حول مائدة المفاوضات حاول خلالها القادة السوفييت أن ينصحوا بتهدئة الأمور على جبهة القتال حتى يتوافر جو يسمح بحل المشكلة.

إلا أن الرئيس جمال عبدالناصر قال لهم:

“إن جبهة القتال لا يمكن أن تتحول إلى لعبة بين الساخن والبارد على هذا النحو، فهناك معنويات جيش وشعب، وهناك آمال أمة، ولو هدأ الموقف دون سبب يقنع الجميع بأن هناك تقدما أمكن إحرازه فإن النتيجة سوف تكون ضياعاً للثقة وللروح المعنوية للقوات المسلحة وللجماهير”.

وقال بريجنيف:

“طيب... هل هناك حل آخر يا سيادة الرئيس؟”

الرئيس جمال عبدالناصر:

“تعالوا إنتم بقوة صواريخ سوفييتية من طراز (سام 3)، وتولوا مسؤولية حماية العمق حتى يتم تدريب الأطقم المصرية على هذا النوع من الصواريخ عندكم”.

بريجنيف:

“هل تقصد صواريخ سوفييتية تشارك في الحرب يا سيادة الرئيس؟!”

الرئيس جمال عبدالناصر:

“نريد قوات صواريخ سوفييتية، لكننا لا نريدها لتشارك في الحرب... فالقوات المصرية كفيلة بحماية نفسها إذا تم بناء حائط الصواريخ، وما أطلبه هو المشاركة في حماية العمق المدني المصري وهو بعيد عن جبهة القتال”.

كوسيجين:

“هذا العمل سيادة الرئيس ناصر يعتبر تصعيدا، ويمكن أن يؤدي إلى صدام بيننا وبين الولايات المتحدة الأمريكية”.

بريجنيف مقاطعا و بعد أن قدم الماريشال جريتشكو ورقة له:

“إن المسألة أيضا ليست مسألة صواريخ، فإن قواعد الصواريخ تحتاج لحماية جوية فإذا فكرنا في إرسال صواريخ فمعنى ذلك أن نفكر في إرسال قوات جوية في نفس الوقت لحماية الصواريخ”.

الرئيس عبدالناصر:

“نحن نوافق على أن ترسلوا قوات جوية سوفييتية لحماية الصواريخ سام 3”.

بريجنيف:

“إن هذا يعتبر تحديا من جانبنا للولايات المتحدة الأمريكية عسكريا”.

الرئيس عبدالناصر:

“طيب ولما تعطي الولايات المتحدة الأمريكية لنفسها حق التصرف بدون خوف من أحد في مساعدة “إسرائيل” في حين أنكم تترددون باستمرار قبل الإقدام على خطوة واحدة، إن كل الأصدقاء هنا يعلمون أنني في يوم تسعة يونيو 1967 أعلنت التنحي عن السلطة في مصر، ثم اضطررت للعدول عن هذا القرار تحت ضغط شعبي مصري وعربي ودولي لحد ما، وأتصور أني أستطيع أن أتحمل المسؤولية حتى إزالة آثار العدوان، وبالمنطق الذي سمعته منكم ونتائجه على جبهة القتال، فإن هدف إزالة آثار العدوان لم يتحقق وبالتالي فمن واجبي أن أعود إلى الشعب في مصر وإلى الأمة العربية واضعا الحقيقة أمامهم وأصارحهم بأن الدنيا فيها قوة واحدة قادرة هي الولايات المتحدة الأمريكية، وعليهم أن يقبلوا هذا حتى لو اضطروا إلى الاستسلام، وبما أنني لن أكون الرجل الذي يقبل الاستسلام بل ولا يقبل منه الاستسلام فإني سوف أترك مكاني لشخص آخر يستطيع ذلك ويقبل منه!!”.

وتكهرب جو القاعة فجأة.. وحاول القادة السوفييت فرادى ومجتمعين وتداخلت الأصوات في محاولة للرد على كلام الرئيس جمال عبدالناصر الذي أصر على رأيه وتمسك بموقفه ولم يقبل أي تحليل آخر، ولم يكن هناك حل سوى رفع الجلسة تفاديا للوصول إلى نقطة لا عودة في المواقف.

وفي عصر ذلك اليوم نفسه وحوالي الساعة الخامسة مساء طلب القادة السوفييت من الرئيس عبدالناصر استئناف الاجتماع بهم مرة ثانية، وبدأت الجلسة برجاء من بريجنيف أن يبدأ هو الكلام وقال:

“أيها السيد الرئيس جمال عبدالناصر، لقد اجتمعت المؤسسات القيادية والمجلس الأعلى خلال الساعات القليلة الماضية، ونأسف للتأخير حيث اضطررنا لاستدعاء بعض الأعضاء الرئيسيين والعسكريين من خارج موسكو لأخذ رأيهم فيما نواجهه، وإني أعلن لكم أن القيادة السوفييتية بمؤسساتها توافق بالإجماع على تنفيذ مطالبكم كاملة، وقد فوضنا المارشال جريتشيكو لتوليس المسؤولية، فنرجوكم اقتراح من ترونه من جانبكم للبدء فورا في بحث التفاصيل “.

الرئيس عبدالناصر:

“إن الفريق أول محمد فوزي وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة هو الذي سيتولى من جانبنا بحث وسائل التنفيذ لما اتفقنا عليه.

في الحقيقة فلقد تم فعلا تنفيذ كل ما اتفق عليه من ناحية الإمدادات، ومن ناحية التوقيتات التي حددت بين الطرفين.

وهكذا كان الرئيس جمال عبدالناصر يدرك ثقل مصر وتأثيرها، فإن أي دولة في العالم تتعامل مع القوى الأخرى بدرجة تأثيرها. فالاتحاد السوفييتي عندما استمر في دعم مصر في مجالات مختلفة والعسكرية بصفة خاصة فليس هذا كيدا للولايات المتحدة الأمريكية بقدر ما كان معبرا عن حجم الدور الفاعل لمصر عبدالناصر. والولايات المتحدة الأمريكية التي خاصمت عبدالناصر وخاصمها هو أيضا وهاجمها، واختلف معها كثيرا منذ سحب تمويل السد العالي سنة ،1956 كما كانت له معها مشاكل كبيرة حول الأحلاف وسياسة الاحتواء وملء الفراغ على الساحة العربية كلها نجد في نفس الوقت أمريكا تعطي لمصر معونات.. القمح أساسا و بعض مستلزمات الإنتاج، وهو أيضا الدليل على الدور الفاعل لمصر عبدالناصر.

فلم يكن للسوفييت مكتب بل كان نشاطهم مع المواطنين المصريين تحت أي مسمى ملاحقا وغير مسموح به ومجرماً إذا أخذ شكل علاقات سرية أو غير مشروعة، وهناك من الوثائق المحفوظة في أرشيف سكرتاريا الرئيس للمعلومات وفي أرشيف المباحث العامة والمخابرات العامة ما يثبت قولي هذا علاوة على أن الدكتور محمد عبد القادر حاتم حي يرزق ويمكن سؤاله عن هذا الموضوع بالتحديد وأذكّره بما حدث مع محمد هنائي عبدالعال الذي شغل منصبا عاليا وكبيرا في وزارة الخارجية المصرية.





تهديد أمريكي



وفي الثاني والعشرين من فبراير/شباط 1970 بدأت مرحلة أمريكية تتمثل في استفزاز مصر، حيث طلبت الإدارة الأمريكية من القاهرة في شكل نصيحة بأن تعلن عن قبولها إيقاف إطلاق النار وألا تربط ذلك بالانسحاب “الإسرائيلي”، وأنه إذا لم تقبل مصر هذه الرسالة فإن الغارات “الإسرائيلية” في العمق المصري وضد المدنيين أساسا سوف تستمر، وربما تتزايد

بصورة أكبر لتشمل أهدافا تضر بالاقتصاد المصري بصورة أساسية.

كانت هذه الرسالة تهديدا صريحا وتطورا خطيرا في موقف الولايات المتحدة الأمريكية التي تتقدم لنا بإنذار عسكري ولم تعد تتستر وراء مشروعات سلمية لخداع الرأي العام العربي والعالمي.

والأدهى من ذلك فقد بعث ويليام روجرز برسالة أخرى في نهاية فبراير 1970 لمحمود رياض وزير خارجية مصر جاء فيها ما يلي بالنص:

نحن لا نعرف كيف نستطيع أن نجعل “الإسرائيليين” ينفذون الأسس التي يقوم عليها المشروعان الأمريكيان (المشروعان المقدمان لمصر والأردن).

ومعنى هذه العبارة أن الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تضمن قبول “إسرائيل” لمقترحاتها تصر في السعي لضمان موافقتنا على تنازلات جديدة، مستخدمة كل الوسائل بما في ذلك التهديد العسكري، وفي حالة موافقة مصر عليها، يأتي الرفض “الإسرائيلي” فتعلن الولايات المتحدة الأمريكية أنها لا تستطيع إرغام “إسرائيل” على تنفيذ مقترحاتها، ثم تكرر اللعبة حتى تحصل على تنازلات إضافية من مصر وهكذا... (مثلما يقولون لعبة الثلاث ورقات)!.

..وهكذا يتكشف الدور الأمريكي بسرعة، ففي ديسمبر 1969 تقدم ويليام روجرز بمقترحات لمصر والأردن حول التسوية الشاملة 0 وفي يناير 1970 تنكر نيكسون لمقترحات وزير خارجيته، فأعلن أن السلام لا يمكن أن يقوم إلا على أساس الاتفاق بين الأطراف من خلال مفاوضات بينها، فأنهى بذلك أي بحث يدور حول مقترحات روجرز ومن ناحية أخرى تنكر نيكسون أيضا لقرار مجلس الأمن وكرر التفسير “الإسرائيلي” بأنه مجرد جدول أعمال لمبادئ يتم التفاوض بشأنها.

"

..............."

إنتهى نقل هذا الجزء

يحى الشاعر

- يتبع -


Graphic by Martin

Back to Index & proceed
الــــرجوع الى الفهـــرس للمتابعة والمواصلة

You are my today's
زيارتكم هى رقم

Web guest

Thank you for your visit
شـــكرا لزيارتكم الكريمة






© 2007 Yahia Al Shaer. All rights reserved.

This web site is maintained by

ICCT, International Computer Consulting & Training, Germany, US